حققنا 31 خطوة من 100. ربما يبدو الطريق طويلا ومحطة الوصول بعيدة، لكن أن البدايات دائما أصعب، تقطع المسافة الشاقة وسط مناخ مُكبل عالميا بالأزمات، فأنت قادر على السير أسرع وأفضل فى الحالات العادية والظروف الهادئة. الوصول بالصادرات إلى 31 مليار دولار خطوة مهمة، والتمسك بحلم الـ100 مليار حافز أهم، ورسالة بما يتوفر من فرص وميزات للاستثمار فى بلد قادر على الحلم، ومتمسك بوضعه فى موضع الواقع.
تجاوز الناتج الإجمالى المصرى مستوى 400 مليار دولار، محتلا المرتبة الثانية عربيا وأفريقيا. ومع توقعات النمو الإيجابية متوسطة المدى، يملك الاقتصاد فرصا لتحسين أوضاعه، وإن لم يكن على مستوى الترتيب، فعلى الأقل فيما يخص وضعية السوق وهياكلها ومكوّنات النمو وفرص تصاعده واستدامته. تلك المعادلة تتطلب آفاقا أوسع للتمدّد، تبدأ بترتيب البيت من الداخل وتسريع ماكينة الإنتاج، لكنها تحتاج انفتاحا أكبر على الخارج، وتجارة أكثر ديناميكية وتطورا، وقنوات ومنافذ لامتصاص الفوائض واستيعاب تمدد السوق.
وصلت مصر إلى حالة جيدة من توازن العرض والطلب، وحققت فوائض إنتاجية ساهمت فى تقليص عجز التجارة، وما تزال لديها تطلعات أكبر لضبط الاختلالات وإحراز توازن أكبر. من هنا تأتى أهمية خطة الدولة بالوصول للصادرات إلى 100 مليار دولار خلال السنوات المقبلة، حسبما أعلن الرئيس وتعمل الحكومة ومؤسسات الدولة. الوصول لهذا الرقم يعنى الدفع بعوائد الصادرات إلى حدود 25% من الناتج بمؤشراته الحالية، بينما لم يكن الأمر يتجاوز 13% وفق أرقام 2020.
تتخطى الصادرات حجم الناتج القومى فى بعض الدول، كما فى أيرلندا وفيتنام. بعيدا عن تلك الحالات الاستثنائية التى ربما تنطوى على مشكلات داخلية أكبر فيما يخص توزيع الثروة ومدى الاستفادة من مستويات النمو. فإن النظر إلى الأسواق المستقرة يكشف تراوحها بين 20 و40% تقريبا، باستبعاد مراكز الخام ودول الوفرة البترولية. تلك الرؤية تُشير إلى حجم المكاسب المتوقع بالوصول إلى مستوى 100 مليار دولار من الصادرات، وكسر حيز الـ20% من إجمالى الناتج. ما يعنى إضافة قدرات إنتاجية أكبر، واتساع سوق العمل وحجم الدخل والإنفاق والطلب الداخلى، والأهم تحسين ميزان المدفوعات ومحفظة الاحتياطى وموارد النقد الأجنبى.
الشهور الأخيرة شهدت خطوة واسعة باتجاه الحلم. إذ لأول مرة تحقق مصر صادرات بنحو 31 مليار دولار تقارب ثُلث المُستهدف، بزيادة 27% عن العام السابق، بحسب ما عرضته وزيرة التخطيط هالة السعيد على الرئيس عبد الفتاح السيسى أمس. تقدمت تلك الطفرة قطاعات مواد البناء والكيماويات والملابس الجاهزة والحاصلات الزراعية والمصنعات الغذائية والإلكترونيات والسلع الهندسية. الإيجابى أننا نتحدث عن نمو حقيقى فى الصادرات السلعية غير البترولية، ما يُمثّل انعكاسا لحالة النمو المتحققة منذ تفعيل برنامج الإصلاح، وأثرا مباشرا لحزمة الإجراءات المتصلة بضبط التشريعات وتحفيز الاستثمار والإنتاج وإعادة تخطيط قدرات الدولة والنظر فى مكونات الإنتاج، مع الرهان المتوازن على القطاعات التقليدية إلى جانب الأنشطة النوعية والمجالات المُستحدثة.
الصادرات الزراعية قفزات بأكثر من 12%. من مستوى 5 ملايين طن فى 2020 إلى 5.6 مليون طن بالعام المنقضى. هذا النمو الكبير يعكس استقرارا فى قدرات الإنتاج، ونجاحا لخطط تطوير القطاع. إذ مع معدل نمو سكانى مرتفع، وزيادة منتظمة فى الطلب الداخلى، فإن النجاح فى الارتقاء بصادرات الزراعة والمصنعات الغذائية لم يتحقق عبر ضغط السوق الداخلية، وإنما عبر تعزيز قدرات الإنتاج، ما يُشير إلى فاعلية برنامج تحديث الزراعة بالدلتا، وآثار مشروعات الاستصلاح والصوب الزراعية بالمناطق الجديدة، ومع تتابع تلك الأنشطة فى سيناء وتوشكى والدلتا الجديدة/ مستقبل مصر، فمن المنتظر أن نشهد وفرة أكبر بالداخل، وقدرات تصدير أعلى، تتجاور مع نمو موازٍ للصناعة والمنتجات الوسيطة وبعض مُدخلات الإنتاج.
النظر فى خريطة الصادرات المصرية تُشير إلى مسار منتظم ومُتنامٍ للتحسن. فضلا عن قائمة السلع التى تضع أيدينا على المجالات الأكثر رواجا، وما نتمتع فيه بميزات تنافسية وفرص تفضيلية أكبر لدى الشركاء والأسواق المستقبلة للصادرات. لدينا حضور جيد بالسعودية والإمارات والهند والولايات المتحدة كأكبر المستوردين من مصر، لكن الباب مفتوح لمزيد من الأسواق بالمنطقة العربية وأوروبا وآسيا والأمريكتين، مع تعاظم قدرات الإنتاج وزيادة الفوائض وتحسن الجودة. لا سيما فى قطاعاتنا اللامعة: الحاصلات الزراعية والسيراميك والأسمدة والفوسفات ورقائق الألومنيوم، والنسيج والسجاد وأغطية الأرضيات، والإلكترونيات والأجهزة الكهربائية، والمصنعات الغذائية والفواكه والخضروات المُعلبة، والمواسير وأنابيب الخزف، والنباتات العطرية، والمبيدات الحشرية، والأدوية والمستحضرات الطبية، والكتان، والأسلاك، وأحجار البناء، والتحف الفنية.
لا شك فى أن تعديلات قانون الاستثمار، والتيسيرات وبرامج المساندة، وحوافز التصدير ورد الأعباء، ساهمت جميعا فى إنعاش قدرات الإنتاج، وفى رفع مستويات التصدير. استمرار الرؤية نفسها فى العمل يقود إلى مزيد من النمو والسير قُدما، وكل مكسب يُضاف إلى عوائد التصدير يعنى مزيدا من فرص الاستثمار والإنتاج والتوظيف ونمو الناتج. هكذا فى دائرة ديناميكية مُتصلة، يُسلم بعضها إلى بعض فى حالة من المنفعة المُستدامة والفوائد المُتبادلة. من مصلحتنا أن نصبح سوقا جاذبة دائما للاستثمار والمستثمرين، ومن مصلحتهم أن يعملوا داخل منظومة راغبة فى التشجيع، وقادرة عليه، ولديها تطلعات تتحرك تجاهها بثبات، ولا تفكر فى التراجع عنها أو التفريط فيها. لدينا 69 خطوة لم نتحركها بعد، لكننا نملك حلما وإرادة. ولا شىء يبعد على الحالمين إن تحلّوا بالصبر واعتصموا بالعمل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة