تواجه أغلب الدول الأفريقية نقصا فى اللقاحات والأدوية، وظهر ذلك واضحا أثناء جائحة كورونا، حيث كانت الدول الأفريقية فى آخر قوائم اللقاحات التى استحوذت الدول الكبرى على أغلبها، والأمر يتعلق بالطبع بنقص الموارد، لكنه يتعلق أكثر بغياب القدرة على بناء تفاوض جماعى بين المنظمات الأفريقية الصحية من جهة والشركات الكبرى من جهة أخرى باعتبار أفريقيا سوقا كبيرا يمكنه الحصول على الدواء بسعر مناسب، استنادا إلى قواعد ترتبها القوانين الدولية ومنظمة الصحة العالمية، حيث يحق للدول التى تواجه أوبئة وأمراضا خطيرة، أن تسعى لإنتاج الأدوية بعيدا عن الملكية الفكرية، خاصة فى ظل الأزمات التى تحدث بسبب الحروب، وتؤدى لانقطاع سلاسل التوريد، وانشغال الدول الكبرى بتوفير احتياجاتها أولا.
هنا يبرز دور البنية الأساسية الطبية التى يمكن أن تسمح للدول الأفريقية ببناء صناعات دواء ولقاحات فى القارة، بشكل يسمح بتوفير هذه اللقاحات بأسعار مناسبة.
وهو ما طرحه الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى كلمته بمؤتمر صحة أفريقيا، حيث استعرض التجربة المصرية الناجحة فى القضاء على الفيروس الكبدى سى، والذى كان يمثل تهديدا لصحة المصريين على مدى عقود، ومع ظهور الدواء، أعلن الرئيس مبادرته لعلاج الفيروس، من خلال التفاوض مع شركات الدواء للحصول على الدواء بسعر أقل عشرات المرات من سعره العالمى، كما قرر إنتاج الدواء بمصر وتقديمه للمرضى بالمجان، وسجلت مصر بشهادة منظمة الصحة العالمية نجاحا فارقا، حيث تم علاج الملايين خلال ثلاث سنوات، بعد أن كانت التوقعات تشير إلى استحالة ذلك، وتم تطوير مبادرة القضاء على فيروس سى، بمبادرة 100 مليون صحة شخص التى تم من خلالها إجراء تحاليل لـ70 مليون وأكثر، للكشف عن الأمراض السارية وعلاجها بجانب مبادرات الكشف المبكر عن سرطان الثدى، وإجراء 1.3 مليون عملية كبرى بقوائم الانتظار، بتكلفة ما بين 100 إلى 400 ألف جنيه، وهذه المبادرات تمثل حلا عاجلا لحين تطبيق التأمين الصحى الشامل، وهى تجربة قابلة للتطبيق، ويمكنها أن تمثل حلولا عاجلة لمواجهة الأمراض والأوبئة التى تتطلب تدخلا عاجلا.
وتحدث الرئيس فى المؤتمر عن تجربة ناجحة، مؤكدا أن نقص الإمكانيات ليست مبررا للإحباط، وأن المبادرات تنجح فى تخطى حاجز الإمكانيات، وهى تجربة صالحة للتعميم، فى حال توفرت الإرادة، مع تأكيد استعداد مصر لتقديم تجربتها للقارة، ومعها تجربة هيئة الشراء الموحد التى توفر الدواء بأسعار أقل بنسبة كبيرة مما كان فى السابق، وحصلت الهيئة على شهادة الجودة العالمية، تأكيدا لدورها وقدرتها على تطبيق المعايير المطبقة عالميا.
الجزء التالى هو أهمية امتلاك بنية أساسية لتصنيع وتعبئة الأدوية واللقاحات، وهو ما اتجهت إليه الدولة المصرية، فى مدينة الدواء.
ويمكن للدول الأفريقية أن تتحرك من خلال المنظمات الصحية والاتحاد الأفريقى، للتفاوض من جهة، والسعى لبناء صناعات دوائية، والتكنولوجيا الخاصة بها، وهو ما يمكنها من امتلاك القدرة على إنتاج وتوزيع الدواء واللقاحات قاريا مع تحقيق وفر فى موازنات الاستيراد والإنتاج، حيث إن القارة السمراء تمتلك إمكانات اقتصادية وموارد وطاقة بشرية، ومع التنظيم والوحدة والشراكة يمكن مواجهة مشكلات نقص الدواء واللقاحات.
وقد اتفق الخبراء والمشاركون فى مؤتمر صحة أفريقيا، على أن القارة تعتبر موطنا لأمراض كثيرة، تتطلب بناء القطاع الصحى، وصناعة الأمصال والأدوية بدلا من الانتظار.
كل هذه الخطوات فى حال التعاون والعمل الجماعى، يمكن أن تمثل حلا لتوفير أغلب الأدوية، بأسعار مناسبة، تكون فى قدرة الدول، وتسمح بالتوسع فى العلاج، واللقاحات، بما يسهم فى خفض الأمراض ومكافحة الأوبئة.
p