خضع محمد على باشا، والى مصر، لإلحاح ابنه إبراهيم، وأذن له بالتقدم بجيشه إلى إسطنبول عاصمة الدولة العثمانية، بعد انتصاره على الجيش العثمانى فى قونية، يوم 21 ديسمبر 1832، وجاء ذلك على أثر قيام إبراهيم بكتابة خطاب إلى والده، يوم 28 ديسمبر 1832، وفقا للدكتور عبدالرحمن زكى فى كتابه «التاريخ الحربى لعصر محمد على الكبير»..«راجع، ذات يوم 28 ديسمبر 2022».
كان إبراهيم يتحرك بنظرية الأمر الواقع، وفقا لرأى جيلبرت سينويه فى كتابه «الفرعون الأخير- محمد على» ترجمة عبدالسلام المودنى، أما الباشا الكبير، فكان يتصرف بتمهل وترقب قلقا من أوروبا، لكن فى النهاية أقنع إبراهيم والده.
يذكر عبدالرحمن زكى: «قام القائد على رأس جيشه فى 20 يناير «مثل هذا اليوم، عام 1833»، ووصل إلى كوتاهية فى 2 فبراير، وتحمل الجنود زمهرير الشتاء القارس، وصار على مبعدة 50 كيلومترا من الآستانة»، وفى لحظة تحرك الجيش، كتب إبراهيم إلى أبيه خطابا، يقول فيه:
«اليوم 20 يناير 1833، بدأ الجيش بالزحف على قونية، تتقدمه شراذم صغيرة لشدة البرد، ولقلة عدد الجمال للنقل، ولا توجد فى طريقنا أية مقاومة حتى إسطنبول، وهذا يدل على أنهم وضعوا آمالهم بالصلح، ولأجل هذا الصلح أرسل إليك، خليل رفعت باشا، لكنى أرى جهد ما يصل إليه علمى الضعيف أنه ما دام السلطان محمود المشؤوم على العرش، لا يمكن أن يكون هناك صلح صحيح ولا نهاية للأزمة، لأنه سيكون عرضة للظروف ينتهزها للانتقام ويعمل لها، كما كان فى الماضى وللجور على هذه الأمة الإسلامية التعسة وظلمها، فبحق حبنا لهذه الأمة وبحق غيرتنا الدينية، أرى من الواجب المحتم علينا لا العمل لمصلحتنا فقط، ولكن العمل فوق كل شىء وقبل كل شىء لمصلحة هذه كلها، ومن أجل ذلك يجب علينا أن نرجع إلى القرار الأول، أى خلع هذا السلطان المشؤوم، ووضع ابنه ولى العهد على العرش حتى يكون ذلك بمثابة محرك يحرك هذه الأمة من سباتها العميق ».
يناقش «إبراهيم » والده فى خطابه حول مخاوفه من أوروبا: «إذا اعترضت على بأن أوروبا تعترضنا قلت لك، إننا لا ندع لها الوقت للتدخل، وبذلك نتقى الخطر، لأن مشروعنا ينفذ قبل أن يُعرف، وبذلك نضع أوروبا أمام الأمر الواقع، وإذا كانت أوروبا تغتنم الفرصة لإشباع مطامعها من هذه الدولة فأية تبعة تقع علينا، وهل باستطاعتنا أن نمنعها عن تحقيق خطة تسعى لتحقيقها منذ 84 سنة؟ ».
يصل إبراهيم إلى نهاية خطابه، قائلا: «مع الاستعانة بالله لتحقيق ذلك، عزمت على التقدم إلى بورصة ومودانيا، فلا وقت إذن لتلقى شىء منك، أو من إسطنبول يحوم على التقدم، أما أنا فإذا بقيت هنا فإنى لا أجد أقل وسيلة لتموين الجيش لفقر البلاد، فلم يبق لى إلا الذهاب إلى بورصة، ومن هناك أرسل إليك رسولا ».
كانت فكرة خلع السلطان ووضع ابنه عبدالمجيد مجالا للنقاش مع رشيد باشا، قائد الجيش العثمانى فى موقعة قونية، الذى وقع أسيرا لدى الجيش المصرى، وحسب «سينويه »: اقترح عليه إبراهيم أن يقصد معه إسطنبول، وبشأن خلع السلطان قال رشيد: «الأمير عبدالمجيد ما يزال طفلا صغيرا، عمره تسع سنوات، هل تعتقدون والحالة هذه أنه يستطيع الجلوس على العرش وإدارة شؤون الدولة؟ رد إبراهيم: لكن السلطان محمد الفاتح جلس على العرش وهو فى السابعة، وعبدالمجيد أكبر سنا منه الآن، ومهما يكن الأمر، فصغر سن الأمير يقدم فى رأيى مزايا، فولاة العهد فى هذه الإمبراطورية لا يتلقون مبادئ تربية أولى مثل أمراء الأمم الأخرى، فهم يربون فى الحريم، ويكبرون دون أن يعرفوا شيئا عن شؤون الدولة، وعليه فإذا ما جلس عبدالمجيد على العرش يستطيع بسهولة بفضل الرجال المتنورين المحيطين به، أن يتعرف على قضايا العالم، وينمى معرفته بالتدريج، ويصير رجلا عالما بحقوق وواجبات السلطان والأمة ».
رد رشيد: «هذا صحيح، لكن إذا ما علم السلطان بهذا، يمكنه أن يأمر باغتيال الأمراء .. قال إبراهيم: الهدف الوحيد الذى سنسعى وراءه هو حل قضايا الأمة وفقا للأمانى العامة للأمة، وما دام يلزم كل أمة سلطانا ليحكمها، فسنختار لها سلطانا تجمع عليه الآراء، وسنضع حدا للعشوائية ولنزوات الاستبداد، وفى ظل هذه الظروف، وفى حال اغتيال الأمراء سيتحمل السلطان وحده المسؤولية، ولن يبقى لنا إلا تنفيذ إرادة الأمة، ونستغنى نهائيا عن السلطان ».
علق رشيد: «أقبل تحليلك، لكن هل تقبل الأمة الإسلامية هذا التغيير؟..أجاب إبراهيم: علينا أن ننتظر معارضة لهذا، على الأقل فى البداية، لكنهم سينتهون جميعا مع مضى الوقت إلى الاعتراف بمزايا الوضع الجديد، ويتمسكوا به، وهكذا سيطلبون هم أنفسهم إقامة حكومة على أسس متينة ».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة