استحكم الخلاف بين الرئيس السادات والكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل رئيس تحرير الأهرام، منذ زيارة «كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية إلى مصر، يوم 7 نوفمبر 1973، حسبما يذكر «هيكل» فى كتابه «بين الصحافة والسياسة»، مشيرا إلى أنه رأى أن أوراق التفاوض تخرج من بين أيديهم بلا ثمن ولا مقابل، فقرر الابتعاد تماما عن الاشتراك فيما يجرى، وأن يحدد موقفه بما يكتبه فى مقالاته ولتكن النتائج ما تكون.
يكشف «هيكل» أن «السادات» عرض عليه ترك الأهرام، والعمل إما مستشارا للأمن القومى أو نائبا لرئيس الوزراء، لكنه شكره، وقال له إنه سيتفرغ لكتبه ولديه منها ما يشغله لسنوات طويلة، ويؤكد «هيكل»: «فى تلك الأيام كنت ألقاه ولا أتعدى حدودا رسمتها لنفسى وهى ألا أسأل عما يجرى، وإنما أستمع فقط إلى ما يقول وأبدى رأيى فى حدود ما هو مطلوب منى لا أتجاوزه، وقابلته يوم 21 يناير، مثل هذا اليوم، 1974، قبل أن يصل فرنسوا ميتران الذى كان رئيسا للحزب الاشتراكى الفرنسى المعارض، قبل أن يصبح رئيسا لفرنسا من 21 مايو 1981 إلى 21 مايو 1995.
يكشف «هيكل» ما جرى بينه وبين السادات فى لقائهما، قائلا: «قال لى يومها: إنه قرر الإفراج عن بعض قادة الطيران الذين حوكموا بعد 1967 وبينهم الفريق صدقى محمود، وحسنى- يقصد حسنى مبارك الذى كان قائدا لسلاح الطيران قبل وأثناء حرب أكتوبر 1973- جاءنى وقال لى: الأولاد فى الطيران يطلبون من سيادتك مكرمة لن ينسوها، وهى الإفراج عن صدقى محمود، فهم يعتبرونه أستاذهم، وعلى أى حال فإنهم فى حرب أكتوبر سددوا كل ديون الطيران من حرب 1967، ووافقت ولا تتصور سعادة حسنى، وسعادة الأولاد فى الطيران».
يتذكر «هيكل» أنه رد على السادات، قائلا: «الحقيقة أن قائد الطيران وشبابه يستحقون أن يجابوا إلى ما طلبوه، وانتقل الحديث إلى موضوع آخر، راح يبدى إعجابه بكيسنجر، ويلومنى على شكوكى فيه، وبين ما قاله: هذا الرجل هو الوحيد فى العالم الذى يستطيع أن يقول لهذه المرأة- يقصد جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل- اخرجى، فلا تستطيع أن ترد له أمرا».
يذكر «هيكل»: «كان لى رأى مختلف عبرت عنه وبوضوح ولكن باقتضاب، وأبدى ضيقه، وسألته سؤالا مباشرا وهو أننى قرأت فى تقارير صحفية أن كيسنجر أقنعه بإرسال خطاب مكتوب منه إلى مائير، وهذا لو صح، خطير، رد السادات على الفور: أنا لم أكتب لها خطابا، هى التى بعثت إلى برسائل شخصية عديدة مع هنرى»، واستطرد: «طلباتها لا تنتهى هذه المرأة، ولكنى لن أعطيها الفرصة لتراوغ. إننى أطاوعها فيما تطلبه حتى أجعل من الصعب عليها أن ترفض ما أطلبه، الآن تريد منى أن أفرج عن المسجونين عندى من جواسيس إسرائيل، غريبة أنها تلح بشدة على الولد مزراحى، لا بد أنه كان مهما جدا بالنسبة لهم، تصور هى أيضا تريد أن تأخذ جثث الأولاد الصهاينة الذين قتلوا لورد موين، سنة 1945 فى القاهرة، وركبت رأسها مع هنرى وصممت عليهم».
يذكر هيكل أنه لم يقاطع السادات الذى واصل كلامه، قائلا: «طبعا هنرى استغل الفرصة بالمرة، وطلب منى أن أفرج عن أشخاص حكم عليهم فى قضايا تجسس لصالح المخابرات الأمريكية، على أى حال لن أوجع رأسى بهؤلاء جميعا، سوف أعطيهم لهم، وأخلص نفسى»، يضيف «هيكل»: «على غير انتظار أو توقع، فاجأنى بسؤال: ما رأيك فى الإفراج عن مصطفى أمين، ألم تطلب منى أكثر من مرة الإفراج عنه ؟».
يتذكر «هيكل»: «استطرد بالحرف: لماذا تشعلق حواجبك من الدهشة هكذا، إنهم يطلبونه، وأنا أريد أن أجاملهم فيه، تساءلت: من هم؟ قال: كثيرون؟ قلت: الأمر لك بالطبع، وإن كنت أخشى من أن الإفراج عنه فى هذا الإطار الذى كنت تتكلم فيه إساءة إليه، لماذا لا تجعل فاصل أسبوع أو أسبوعين بين الإفراج عنه وبين الإفراج عن كل هؤلاء الناس الذين طلبتهم جولدا، وطلبهم كيسنجر ؟».
يضيف «هيكل»: «قلت له: أنا جئت الآن، وفى نيتى أن أنقل إليك رسالة من على أمين يرجوك فيها الإفراج عن توأمه، وهو على استعداد لأن يأخذه من باب السجن إلى باب طائرة تذهب بهما إلى أى مكان خارج مصر، رد بسرعة: عال، يأخذه ويغوروا»، يذكر «هيكل»: «لاحظ أنى لم أكن مستريحا لمجرى المناقشة، فنظر إلى بنصف ابتسامة ونصف عين، وقال: أنت تدعى أنك تفهم فى السياسة، وأنا أقول لك العكس، لو أنك كنت تفهم فى السياسة لكنت وافقتنى على ما قلت، الأفضل الإفراج عنه ضمن هذه الصفقة حتى لا يتجاسر يوما ويفتح فمه».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة