ليس مستبعدا أن يأتى يوم نطالع فيه على شاشات الأخبار نبأ عاجلا عن اغتيال الرئيس الإيرانى حسن روحانى، فبالرغم من القدرة الشخصية لروحانى على البقاء على قيد الحياة السياسية وسط أعنف نظام سياسى؛ إلا أن عددا من المؤشرات يؤدى منطقيا إلى تصفية الرئيس المعتدل، أو تحييده كما فُعِل مع الرئيس الأسبق ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، هاشمى رفسنجانى.
انتقادات متبادلة
طوال فترته الرئاسية الأولى الحالية (تبدأ الدورة الرئاسية الثانية يوم 3 أغسطس المقبل) تشكلت الأزمة السياسية وتبلورت واتخذت وضعيتها الراهنة بين جناحين فى الإدارة الإيرانية، أحدهما سياسى/ اقتصادى يتكون من مؤسسة الرئاسة والخارجية ووزراء المجموعة الاقتصادية، بينما تشكل الجناح الثانى على نحو أمنى بحت، تكون من مؤسسة الحرس الثورى (سپاه پاسداران) والباسيج (قوات التعبئة الشعبية) ومؤسسة الجيش الوطنى (القوات المسلحة الإيرانية) وخلفهم جميعا مؤسسة الزعيم الأعلى الإيرانى على خامنئى.
غير أن الصراع ظل دائرا فى غرف السياسة العليا المغلقة ولم يطف على سطح الأحداث بشكل سافر إلا فى إبريل الماضى؛ أى قبل قرابة شهر من المنافسة الانتخابية، بعد أن علم روحانى ـ علم اليقين ـ بالدعم المطلق الذى يلقاه منافسه، المرشح المحافظ، إبراهيم رئيسى من أعلى قيادة عسكرية فى مؤسسات "التحالف الأمنى".
وفى الثامن عشر من إبريل الماضى انتقد الرئيس الإيرانى حسن روحانى، تدخل الحرس الثورى فى الأمور المتعلقة باقتصاد البلاد، وذلك فى كلمة خلال الاحتفالات التى أقيمت فى العاصمة الإيرانية طهران، بمناسبة يوم الجيش قائلا: "وساوس القوات المسلحة فى موضوع اقتصاد البلاد، إنما يبعدها عن أهدافها السامية، كما أن الهواجس غير المبررة، من شأنها إبعاد القادة والقوات المسلحة، عن مهامهم الأصلية".
وللمرة الثانية انتقد روحانى سياسات الحرس الثورى الصاروخية فى المناظرة الرئاسية الثانية التى جرت يوم الجمعة 5 مايو، واتهم الحرس الثورى بالعمل على نسف الاتفاق النووى وإحراج مركز إيران عبر برنامج الصواريخ البالستية.
الرئيس الإيرانى حسن روحانى
فى صباح اليوم التالى، السبت، 6 مايو، نقلت وكالة "فارس" الذراع الإعلامية شبه الرسمية للحرس الثورى عن الجنرال، مسعود جزايرى، المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية والقيادى فى الحرس الثورى، قوله إن "تطوير قوة إيران الصاروخية يأتى فى إطار السياسيات العامة للنظام، ووجود قواعد صاروخية تحت الأرض عامل ردع مهم أمام تهديدات الأعداء".
روحانى عاود هجومه بشكل لاذع على الحرس الثورى يوم الأربعاء 17 مايو الماضى، قبل يومين فقط من الانتخابات الرئاسية، وقال إنه "يفرّق بين القادة والجنود وإنه يطالب القادة بعدم التدخل فى الحياة السياسية والامتثال لتعاليم مؤسس الجمهورية روح الله الموسوى الخمينى".
حكومة موازية تحمل بندقية
بعدها واصل روحانى هجومه مجددا على تدخل الحرس فى الاقتصاد من خلال مأدبة إفطار دعا إليها عددا من النخب الإيرانية فى شهر رمضان الماضى، وقال إن مشكلة البلاد تمكن فى أن "الضباط تسلموا الاقتصاد من نظام الشاه.. وأن هناك حكومة موازية تحمل بندقية".
هذه الانتقادات العنيفة من روحانى جعلت عددا من قادة الحرس الثورى يشنون حملة علاقات عامة موسعة على الرئيس، ومن بينهم قائد الحرس الثورى، الجنرال محمد على جعفرى، ذلك الذى قال فى 27 يونيو الماضى إن "الحرس الثورى لا يمارس نشاطات اقتصادية وربحية، بل إن نشاطاته ترتكز على إزالة الحرمان، والقيام بفعاليات عمرانية، وإجهاض استراتيجية العدو لفرض الضغوط الاقتصادية على البلاد".
ومؤخرا فى يوم الثلاثاء 4 يوليو وجه القائد البارز فى الحرس الثورى الإيرانى، وقائد فيلق القدس الذراع الخارجية للمؤسسة، الجنرال قاسم سليمانى، انتقادات شديدة اللهجة إلى الرئيس حسن روحانى، وقال فى مؤتمر لقادة عسكريين بمدينة كرمان إنه: "لولا الحرس لما كان البلد".
الجنرال محمد على جعفرى قائد الحرس الثورى الإيرانى
وحذر سليمانى من إضعاف دور الحرس الثورى عبر تعريضه للهجمات المختلفة، معتقدا أن مؤسسة الحرس الثورى "خط أحمر"، مشيراً إلى أن إشاعة بذور التشكيك بين الإيرانيين حيال الأركان الأساسية للنظام "خيانة كبرى"، وهى إشارة إلى اتهام الرئيس حسن روحانى بالخيانة واحتمال تقديمه للمحاكمة استنادا على هذا الادعاء.
خامنئى فى صف الباسداران
كما هو متوقع وقف المرشد الأعلى على خامنئى من هذه الانتقادات اللاذعة المتبادلة فى خندق التحالف الأمنى وانتقد روحانى فى أكثر من مناسبة، متهما إياه بأنه يدعو إلى "تقسيم الشعب" وأنه يجدد ما فعله أول رئيس منتخب للبلاد فى العام 1981م، فى إشارة إلى غريمه التقليدى، الرئيس الإيرانى المعزول، أبو الحسن بنى صدر.
خامنئى قرر معاقبة روحانى على سلوكه وانتقاده المتواصل للمؤسسات من خلال إجراءين عقابيين شديدين أولهما: أنه ألقى بثقله كاملا فى كفة المرشح المتشدد إبراهيم رئيسى، ثم انتقد تصريحات روحانى التى هاجم فيها الحرس الثورى من خلال المناظرة الرئاسية الثانية وقال إن "هذه الانتقادات لن تخدم إلا أعداء البلاد".
المرشد الإيراني على خامنئي
الإجراء الثانى أنه أحجم عن تهنئة حسن روحانى بفوزه فى الانتخابات الرئاسية الإيرانية، برغم الفارق الضخم مع أقرب منافسيه (7 ملايين صوت) وبالرغم من أنه بادر بتهنئته فى الدورة الرئاسية الأولى (يونيو 2013) وبالرغم من أنه خرج وألقى كلمة بمناسبة مشهد احتشاد الناخبين أمام صناديق الاقتراع.
ترجيحات اغتيال روحانى
وفقا لهذه الحرب الدعائية العنيفة بين الحرس الثورى وروحانى، وبناء على المعطيات السابقة، ولأن الحرس الثورى لن يقبل بأن يأتى رئيس يقلل من تموضعه فى داخل الحياة السياسية/ الاقتصادية للبلاد، ولأن كل محاولات احتواء روحانى لم تجد نفعا وباءت بالفشل؛ فما من حيلة أمام الحرس الثورى سوى تحييد حسن روحانى كما تم مع الرئيس الإيرانى الأسبق والرئيس السابق لمجمع تشخيص مصلحة النظام، آية الله هاشمى رفسنجانى.
وعليه فإن احتمالات تصفية حسن روحانى لم تعد بعيدة، كما أن خبرة تحييد رفسنجانى عن طريق وضع السم فى الدواء (على الطريقة الروسية) ليست بعيدة عن روحانى، لاسيما أن الحرس يحكم قبضته على مفاصل طهران، وهو أمر يرجحه كذلك الخبير البارز فى الشؤون الإيرانية، وأستاذ الدراسات الفارسية، الدكتور محمد السعيد عبد المؤمن، الذى رأى أنه تم استثمار إصابة رفسنجانى بوعكة صحية، ولم يسمح لأطبائه بمرافقته فى المستشفى، بحجة أنه ليس فى حاجة لهم، وأن لدى المستشفى أطباء أكفاء سيعملون على معالجته، ولم يعلن عن أسماء هؤلاء الأطباء، كما لم تعلن تفاصيل التقرير المتعلق بكيفية وفاته، وهو أمر يرجح اغتياله، مشددا فى حديثه مع "اليوم السابع" على أن روحانى لو زاد انتقاده سيتم اغتياله كما اغتيال رفسنجانى.
آية الله هاشمى رفسنجانى
هذه الرؤية عززها ما أكده نجل المرجع الشيعى الإيرانى، مهدى خزعلى، الذى اتهم الحرس الثورى بقتل رفسنجانى، وفقا لما نقله موقع "در نيوز" المقرب من الإصلاحيين عن "خزعلى" فى خلال كلمته أمام عدد من المواطنين فى إحدى صالات طهران، يوم 27 يناير من العام الحالى، مضيفا: "هاشمى رفسنجانى لم يمت بصورة طبيعية، بل قُتل ومات شهيداً".
وفى حوار لقناة "فرانس 24" يوم 17 مايو الماضى، أكد نجل رفسنجانى، محسن هاشمى رفسنجانى، القيادى الإيرانى فى حزب "كوادر البناء" الإصلاحى، أن وفاة والده كانت مفاجئة وبدون مقدمات.
وقال بالحرف الواحد: "بالنظر إلى أن وفاة والدى جاءت بشكل مفاجئ وبدون أى مقدمات؛ ظهرت الكثير من التحليلات ويمكن القول إن الكثير من الناس لم يقتنعوا بأسباب الوفاة حتى الآن، وأعتقد أن النظام كان يجب أن يحدد أسباب الوفاة بشكل دقيق وكامل ومن ثم يقدم تقريره للشعب ولهذا السبب تحديدا اجتمع المجلس الأعلى للأمن القومى لدراسة أسباب الوفاة وتحديدها، وأعتقد أنه يجب العمل بشكل أسرع لتحديد أسباب الوفاة حتى يتم الكشف عنها بشكل دقيق".
على كل حال يجب الإشارة إلى أن حسن روحانى معروف بفطنته وقدرته على البقاء على قيد الحياة سياسيا فى كل المناصب التى تولاها قبل منصب الرئيس، وحتى مع التأكيد على قدرته على المناورة والشد والجذب، إلا إن احتمالات اغتياله من جانب الحرس الثورى تظل قائمة ولا يمكن تنحيتها من على طاولة التحليل السياسى لمشهد العملية السياسية الإيرانية التى علّمت المراقبين أنها ـ دائما وأبدا ـ حُبلى بالمفاجآت.
حوار مصطفى هاشمى رفسنجانى
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة