دروز بلغراد
رواية
ما أشد ما يلقى الإنسان على يد أخيه الإنسان, من الظلم والعتو والطغيان, التسخير والعبودية والقيد, الذي يدمي يديه وروحه, ما أشد غلظته, إذا هو نسي, فإنه يصير أشد صلابة من الحجر, تتكسر على حده الكرامة, وتتفتت. رجل لا يطلب من الحياة, سوى طيب العيش, أو الكفاف منه, راضيا بمقامه من الحياة, ووضعه على هذه الأرض, من البساطة والرضا بالقليل, يتفتق ذهن الإنسان في الإجرام, في التفوق على الشيطان, في ابتكار أساليب, قد يعجز عنها أبالسة الجحيم, أن يكون مصير الأبرياء, جحيم ونار, ودفع ضريبة لم تقترفها يداه البيضاء, التي لم تأثم, دائماهي دائمة العمل, من أجل الكفاف, لقمة العيش الحلال, يسعى ورائها منذ مطلع الفجر, وحتى الغروب, يد تبذل كل ما تستطيع, كي يعيش صاحبها بلا خوف, ينظر ما نزل جوفه, لا يقبل أن يأخذ حق أحد, أو تمتد يديه, إلى شيء ليس له, يزج به في رحلة الشقاء والعبودية, بلا جريرة, سوى سوء الطالع, الذي رمى به في ساعة مظلمة, يحمل اسما أخر, ويتعذب بإسم مظلوم أخر, تلهبك حرارة الظلم, وتحطم فيك كل خير, وتأسى على الإنسان, الذي تلاشت إنسانيته؛ ليصبح وحشا كاسرا, يهدم أخيه الأنسان, بلا شفقة, ولا تأنيب ضمير, وتتسآل عن هؤلاء, من أين يستمدون كل هذا الحقد والجبروت؟ ألم يحمل بين جنبيه قلبا! ما أعجب الإنسان حين يتقلب, بين ملاكه وشيطانه! وإذا به يُنحي الجانب الخير فيه, ليُعظم الشيطان, ويكبر ويأكل فيه كل خير, يتسع حيز الشر, ليطمس معالم الحب, وتجعلها أثراً بعد عين, اثنى عشر عام, رسمت ملامحه وجسده مخالب الشقاء, كانت ظلمات تعقبها ظلمات, وآسى وحرمان, يتلوها سنوات من الضنا والعبث بالإنسان, لا جريرة يٌحاسب عليها, لم يذنب في حق أحد أراد فقط العيش في هدوء, هو وزوجته وابنته, جبروت الإنسان حين يطغى ويستقوى, ويستعبد, السجن والمحابيس والدم والظلم والجوع والظمأ, امتهان فقدان للكرامة, حنا يعقوب, نموذج ذلك الإنسان الفقير, التي تتكالب عليه الإزمات, ثم تمتد إلى العذاب الجسدي والنفسي, إن الشقاء والهزائم النفسية, التي حاول فيها البقاء, من أجل أن يعود لزوجته وابنته الصغيرة, والأمل في اللقاء الأخير, أن يضمهما بذراعية مرة أخرى, إنها تعكس ما بالعصر من ظلم, يستشري ليطال كل شي, وعلى رأسهم الضعفاء من الناس والأبراياء, ومن لم يرفعوا سلاحا, ولم يطلبوا قتالا, إنما أراوا أن يعيشوا حياتهم سالمين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة